المهارات الوظيفية

الذكاء العاطفي: مفهومه، أهميته، وأبرز مهاراته وكيفية تطويرها (2025)

أول شيء يخطر ببالنا عندما نتحدّث عن الذكاء (intelligence) هو ذاك الشخص الذي كان يتفوّق دراسيًا، أو ذاك الشخص الذي كان الأول في مادة الرياضيات، أو ذاك الذي يُتقن لغة من اللغات بجانب  لغته الأم…

لكن في الحقيقة، هذا الذكاء غير كافٍ لأنّ الجميع أذكياء في مجال من المجالات ولا يُوجد غبي بالمعنى الحرفي.

قد تجد شخصًا ذكيًا في مادة الرياضيات، على سبيل المثال، لكن في مادة أُخرى قد لا يفقه فيها شيئًا.

هل هذا النوع من الذكاء كافٍ للنجاح في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الآلة تُجيبنا عن كافة أسئلتنا بضغطة زر واحدة؟

حسب تجربتي الشخصية، لا. فالذكاء العام ليس كافيًا، بل هناك نوع من الذكاء الذي يعدّه بعض علماء النفس أهم من الذكاء العادي، ألا وهو الذكاء العاطفي (Emotional intelligence).

هل سبق لك أن سمعت عن هذا النوع من الذكاء؟ أجزم أنّه سبق لك أن سمعت شخصًا مّا ينطق به.

مع أنّ الذكاء الاصطناعي يتفوّق علينا في العديد من المهام، مثل: مُعالجة البيانات وحساب الأرقام، إلّا أنّه لا يزال يفتقر إلى القُدرة على فهم المشاعر والتعامل معها.

هذا يعني أنّ الوظائف التي تتطلّب مهارات ذكاء عاطفي عاليّة، مثل التمريض، والتعليم، والعمل الاجتماعي،والموارد البشرية،والمبيعات والتسويق،والإعلام والعلاقات العامة،والإبداع، ستظل مطلوبة بشدة في المستقبل.

لكن ماذا نقص بالذكاء ؟

ببساطة، الذكاء هو القُدرة على حل مشكلة من المشكلات في مجال من المجالات. فعلى سبيل المثال، الميكانيكي ذكي في مجال تخصّصه، أي الميكانيكا، أمّا النجار فهو ذكي لأنّه يستطيع حل المشكلات في مجال النجارة بفعاليّة.

أمّا الأستاذ، فهو ذكي في التدريس لأنّه يستطيع نقل المعرفة للتلاميذ كما ينبغي.

انطلاقًا من هذا التعريف، يتبيّن لنا أنّ جميع البشر أذكياء في مجال من المجالات، وهُناك من هو ذكي في مجالات عدّة.

ربما تذكّرت الآن بعض رفاقك في الدراسة المتفوقين دراسيًا، لكن داخل المجتمع تجدهم منبوذين ولا أحد يُحبهم لأنّهم لا يمتلكون الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي، ويعتقدون عن جهالة أنّ التفوّق في الدراسة هو أساس الحصول على وظيفة العمر والنجاح في الحياة.

لكن الواقع يُظهر لنا خلاف ذلك.

كم من شخص كان غير مُتفوّق في الدراسة، لكنّه ناجح اجتماعيًا وماديًا، ولديه علاقات اجتماعيّة ناجحة ومحبوب لدى الناس لأنّه يعرف كيف يتعامل معهم ولديه ذكاء عاطفي عال.

مع هذا، فكلا الذكاءين، أي الذكاء العام والعاطفي، مُهمان للنجاح، والتفريط في أحدهما يقُودنا إلى الإخفاق أو الفشل.

فمثلاً، الشخص ذو الذكاء العام المُرتفع قد يُواجه صعوبات في العمل، والحياة الشخصيّة، إن لم يكن لديه ذكاء عاطفي كافٍ.

وبالمثل، فالشخص ذو الذكاء العاطفي المُرتفع قد يُواجه صعوبات في التعلّم، والحُصول على وظيفة، إن لم يكن لديه ذكاء عام كافٍ.

تعريف الذكاء العاطفي

قبل تعريف الذكاء العاطفي (Emotional intelligence)، فلا بد لنا أن نُشير إلى من استعمل هذا المصطلح أوّل مرة.

يُنسب أول استخدام لمصطلح “الذكاء العاطفي” إلى علماء النفس الأمريكيين بيتر سالوفي (Peter Salovey) وجون ماير (John D. Mayer) في عام 1990.

وقد عرّفا الذكاء العاطفي بأنّه “مجموعة من القُدرات التي تُمكّن الشخص من التعرّف إلى مشاعره ومشاعر الآخرين، وفهمها، واستخدامها بفعاليّة في التفكير والعمل1“.

لكن الفضل يعُود للكاتب دانييل جولمان لأنّه هو من أشاع هذا المُصطلح  عبر كتابه الذي صدر عام 1995 بعنوان “الذكاء العاطفي“.

تخيّل نفسك في موقف صعب، وتشعر بالغضب أو الحزن، كيف ستتصرف؟ هل ستنفجر غضبًا؟ أم ستُحاول فهم مشاعرك والتعامل معها بذكاء؟

هنا يأتي دور الذكاء العاطفي.

الذكاء العاطفي مهارة أساسية تُمكننا من فهم مشاعرنا والتعبير عنها بفعاليّة، وفهم مشاعر الآخرين والتفاعل معهم بطريقة إيجابيّة.

لهذا السبب، أصبح الذكاء العاطفي مُهمًا أكثر من أيّ وقت مضى، ومن اللازم إتقانه كي نتحكّم في أنفسنا، لأنّ عدم التحكّم في النفس قد يقُودنا إلى ما لا يُحمد عقباه.

من وقت إلى آخر، نُشاهد على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي شخصًا مشهورًا متّهمًا بالتحرّش أو تظهر إحدى فضائحه الجنسية.

هذا الأمر حدث، دون ذكر الأسباب الأخرى، بسبب عدم تحكّمه في شهوته الجنسية خُصوصًا، وعدم التحكّم في نفسه عمومًا.

مع أهمية الذكاء العاطفي في العصر الحالي، لا يزال الناس يُركّزون على الذكاء العام الذي سوف يُساعدهم على الحصول على شهادة جامعية تُؤهلهم إلى وظيفة معينة.ولا يأبهون إلى الذكاء العاطفي.

لكن، لحسن الحظ، يُمكننا تنميّة الذكاء العاطفي بالموازاة مع الدراسة أو أيّ مسارٍ تعليميّ آخر.

أهمية الذكاء العاطفي

تتجلّى أهمية الذكاء العاطفي في تمكين الشخص من فهم مشاعر الآخرين والتحكّم في مشاعره الشخصيّة، ما يُؤدّي إلى تحقيق النجاح في حياته الشخصيّة والمهنيّة واتّخاذ قرارات عقلانيّة. فعندما يمتلك الفرد مُستوى عالٍ من الذكاء العاطفي، يُمكنه بناء علاقات قويّة بأقاربه وزُملائه في العمل.

فضلًا عن ذلك، يسهم الذكاء العاطفي في اكتساب الكاريزما والهيبة.

علامات الذكاء العاطفي

من الصعب معرفة الأشخاص الذين يتمتّعون بذكاء عاطفي بدقة انطلاقًا من الملاحظة الخارجية فقط.

لكن، هذا ليس مستحيلًا، لأنّه هُناك عدّة علامات تُشير إلى أنّ الشخص يتمتّع بذكاء عاطفي، من بينها:

  • يفهم مشاعره الخاصّة ويعرف كيف تُؤثّر في سلوكه.
  • يعترف بنقاط قُوّته وضُعفه.
  • يتقبّل نفسه بمميزاته وعُيوبه.
  • يتحكّم بمشاعره ولا يسمح لها بالسيطرة عليه.
  • يتعامل مع المشاعر السلبيّة بذكاء وفعاليّة.
  • يفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم.
  • يُقدّم الدعم العاطفي للآخرين.
  • يتواصل بفعاليّة مع الآخرين.
  • يتعلّم من تجاربه ويتطوّر مع مُرور الوقت.

مهارات الذكاء العاطفي

هُناك مجموعة من المهارات الأساسية التي تُشكّل الذكاء العاطفي، وهي:

فهم مشاعر الآخرين

يُعدّ فهم مشاعر الآخرين ركيزة أساسية في بناء الذكاء العاطفي، فهو يُمكّننا من التواصل بفعاليّة، وبناء علاقات قويّة، والتعامل مع المواقف الاجتماعيّة المُختلفة بذكاء.

ملاحظة: لا يقتصر الذكاء العاطفي فقط على التعامل بلطف في أيّ وقت مع الناس، بل يشمل ذلك أيضًا التعامل بصرامة عندما يكون ذلك مناسبًا وضروريًا.

الغضب (Anger)

جميع البشر يغضبون، وهذا أمر طبيعي. قد يغضب الناس عندما يُعاملون بطريقة سيّئة، أو عند التقليل من قيمتهم، أو لعدم احترامهم، أو مُخالفتهم في الرأي، أو مُقاطعة كلامهم عندما يُعبّرون عن أفكارهم وأحاسيسهم. وهناك من يغضب لأسباب تافهة.

مع أنّ أغلب الناس يُدركون سبب غضبهم، هناك من يجهلون السبب تمامًا.

في الواقع، الغضب سيف ذو حدين. أحيانًا يغضب الشخص لفرض الاحترام، وهذا أمر جيّد من وقت إلى آخر.

لكن الغضب فقط من أجل الغضب ولجلب الانتباه أمر غير صحي بالمرة، وقد يُنفّر الناس منك.

إضافة إلى ذلك، فالغضب قد يُؤدّي بصاحبه إلى مُشكلات في الصحة النفسيّة.

في السياق ذاته، عندما نُعبّر عن غضبنا بطريقة غير صحيحة، قد يكون رد فعل الطرف الآخر عدوانيًا، ما قد يُؤدّي إلى العنف في نهاية المطاف.

إذا كنت تغضب دائمًا ولا تُسيّطر على نفسك، فستبتعد عنك الناس، ولن يُحاولوا بتاتًا ربط علاقات بك، لأنّك في واقع الأمر لا تستحق ذلك.

ملاحظة: الناس لا يغضبون على المواقف ذاتها، فقد يغضب الشخص من موقف، ولكن شخص آخر لن يأبه إليه، لأنّ طريقة تفسيرنا للموقف هي التي تدفعنا للغضب أو عدمه.

ومن العوامل التي تزيد من سلبياتنا في تأويل المواقف، نذكر: الطفولة التي عشناها، أو التربية التي تُشجّع على العنف، أو التجارب الماضية، أو بسبب العيش مع أبوين يغضبون لأتفه الأسباب، مع أنّهما يعيشان تحت سقف واحد.

في الواقع، أظهرت العديد من الدراسات والبحوث وجود علاقةٍ قويّةٍ بين الغضب وجرائم القتل. وتُشير هذه الدراسات إلى أنّ الغضب يُعدّ أحد أهمّ العوامل التي تُؤدّي إلى ارتكاب جرائم القتل2.

أهمية السيطرة على الغضب

إذا كنتَ من الأشخاص الذين ينفعلون بسرعة ويلجأون إلى العنف سواءً اللفظي أو الجسدي، أو لا تُسيّطر على نفسك، فأنت في طريق الهاوية؛ لأنّ الغضب قد يقودك إلى أمور لم تكن تُفكّر فيها يومًا.

أجزم أنّه سبق لك أن قلت أشياء وندمت عليها بعد ذلك.

إذا كان ذلك صحيحًا، فالشخص الذي لا يتحكّم في انفعالاته وعواطفه، فهو في مأزق. 

من الجدير بالذكر أن الغضب شعورٌ معديٌّ؛ إذا غضبت على شخصٍ فإنّه سيغضب على شخصٍ آخر، وهكذا دواليك.

إنّ عدم السيطرة على الانفعالات قد يعوق نجاحك الشخصي والمهني، و يجعل الناس تنفر منك ويكرهونك.

لهذا السبب، أوصى رسول الله رجلاً قائلاً: “لا تغضب“، عن أبي هريرة: “أنَّ رَجُلًا قَالَ للنَّبِيِّ ﷺ: ‘أَوْصِني’، قَالَ: ‘لا تَغْضَبْ’، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: ‘لا تَغْضَبْ'”، رواه البخاري.

وفي سياق آخر:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ الغضَبَ مِنَ الشيطانِ، وإنَّ الشيطانَ خُلِقَ منَ النارِ، وإنَّما تُطفأُ النارُ بالماءِ، فإذا غضِبَ أحَدُكم فلْيَتوضَّأْ ) رواه أبو داود وحسنه بعض العلماء .

يُعدّ التحكّم في الغضب مهارةً ضروريةً للحفاظ على صحةٍ نفسيّةٍ وجسديةٍ جيّدة، ولبناء علاقاتٍ إيجابيةٍ بالآخرين.

فيما يلي بعض أهمّ فوائد التحكّم في الغضب:

  • تقليل التوتر والقلق والاكتئاب.
  • زيادة الشعور بالسعادة.
  • تعزيز الثقة بالنفس.
  • تقليل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
  • تقوية جهاز المناعة ومقاومة الأمراض.
  • النوم جيّدًا.
  • تجنّب الصراعات.
  • نيل احترام الآخرين وتقديرهم.
  • اتّخاذ قراراتٍ صحيحةٍ.

أهمية المغفرة في التحرّر من الغضب

مع أنّه من الصعب عليك مغفرة أخطاء الآخرين أو أخطاء الناس الذين آذوك، فإنّه ينبغي لك مُسامحتهم والمُضي قدمًا، لأنّ أفضل طريقة للانتقام من الآخرين هو أن تغفر لهم، لأنّ المغفرة تجعلهم يُصابون بالحيرة والندم والحسرة.

إلى جانب ذلك، عندما نغفر للآخرين فسوف نتخلّص من غضبنا تجاههم، لأنّ الغضب يُدمّرنا نحن أولًا من الداخل.

قد يموت الشخص أو ينسى من تكون، لكنّك لا تزال غاضبًا منه، أليس غباءً منك أن تفعل هذا الأمر؟

عندما تغفر للناس، فسوف تُخفّف من غضبك واستياءك نحوهم، وقلقك أيضًا، لأنّ الغفران، كما أثبتت عدّة دراسات في علم النفس، يسهم في تحسين الصحة النفسيّة ويُقلّل من مُستويات التوتر.

الوعي الذاتي (Sеlf-аwаrеnеѕѕ)

نقول إنّ الشخص واعٍ بذاته لكل شخص يعرف نِقَاط قُوته ونقاط ضعفه، وأفكاره ومعتقداته، وعواطفه، وشخصيّته.

إذا أردت أن تتحكّم بنفسك وتصير ذكيًا عاطفيًّا، فأول ما ينبغي لك فعله هو الوعي بذتك. لأنّك إذا لم تعرف نفسك وعواطفك وتقودها، فسوف تقودك هي إلى نتائج لا ترغب فيها أنت والآخرين.

إذا كنت لا تعرف نفسك جيّدًا، ففي ما يلي سوف نساعدك على اكتشاف ذاتك أوّل مرة.

كيف تعرف ذاتك؟

هذا السؤال، كيف تعرف ذاتك، ليس بسؤال فلسفي بل سؤال بسيط، يُمكن لأيّ شخص الإجابة عنه إذا طُرحت عليه الأسئلة المساعدة التالية، سؤال تلو الآخر.

فيما يلي بعض الأسئلة التي قد تُساعدك على اكتشاف ذاتك:

  • ما هي الأشياء التي تُحبّها؟
  • ما هي الأشياء التي تكرهها؟
  • ما هي نقاط قوتك؟
  • ما هي نقاط ضعفك؟
  • ما هي أهدافك؟
  • ما هي قيّمك؟
  • ما الذي يجعلك سعيدًا؟
  • ما الذي يُحزنك؟
  • ما الذي يُخيفك؟
  • كيف تُعبّر عن مشاعرك؟
  • ما هو دورك في الحياة؟

لكن للإجابة عن هذه الأسئلة، فينبغي لك أن تكون صادقًا مع نفسك، لأنّ أغلب الناس يكذبون على أنفسهم ويعتقدون أنفسهم عظماء وأنّهم ذو قيمة، لكن في الحقيقة هم مثل عامة الناس، لديهم نِقَاط ضعف كثيرة ونقاط قوة قليلة، وعيوبهم أكثر من مزاياهم.

مع هذا، يرون أنّ الجميع ضدهم، في حين أنّهم لا يستحقون شيئًا في هذا العالم.

لماذا الوعي الذاتي أمر مهم؟

يُساعدنا الوعي الذاتي على تطوير أنفسنا واستغلال الفُرص عندما نعلم أنّها تتوافق مع قُدراتنا الفكريّة والجسديّة.

لكن إذا كنا لا نعرف أنفسنا جيّدًا، فقد نُبالغ في تقدير قُدراتنا ونرى أنفسنا على أنّنا نستحق كل شيء وقادرون على فعل أشياء تفوق قدرتنا. وعندما نصطدم بالواقع، نكتشف أنّنا كنّا مخدوعين وأنّنا في الحقيقة متوسطين للغاية أو أضعف ممّا كنا نعتقد.

كم من شخص منّا، عندما يخفق بسبب الظروف الشخصيّة أو الخارجية، يُصبح شخصًا دفاعيًا ولا يجد حلًا إلّا في لوم الآخرين على أخطائه؟

مع هذا، فقد يكون هذا الشخص صادقًا وأنّ الآخرين هم من تسبّبوا له في مشكلاته.

كم من شخص تجده متفوقًا دراسيًّا، لكنّه عاطل بسبب المحسوبيّة أو خافت منه لجنة التوظيف بسبب تفوّقه عليهم، وأحسّوا أنّه يستطيع أخذ مكانهم بسهولة؟

جميع هذه الاحتمالات مُمكنة، لكن لا ينبغي لنا أن نستسلم، بل علينا أن نستمر ما دمنا أحياء، لأنّ الأرزاق بيد الله وليست في يد العبيد.

لماذا نشعر بالتوتر؟

نعيش اليوم في عالم مُمتلِئ بالضغوطات والتحدّيات، إنّه عالم التوتر بامتياز.

الكل أصبح مُتوترًا بسبب طريقة عيشنا الحالي وبسبب الحضارة التكنولوجية التي نعيشها.

في ما مضى، كان الناس يهتمون بمشاكلهم لا غير. أمّا الآن، فالناس لا يهتمون بمشاكلهم، ويُتابعون مُشكلات الناس على وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

الناس صاروا مُتوترين بسبب الحروب، والفقر، والبطالة، والرأسماليّة المتوحشة، وسُوء تقسيم الثروات، والديون المتراكمة، وضغوط العمل، ومسؤوليات العائلة، والشعور بعدم الأمان والخوف من المستقبل، والخوف من الفشل، والشعور بالوحدة… وغيرها…

التخلّص من التوتر

لعل أكثر كلمة نسمعها كل يوم وتخرج من أفواه الناس هي كلمة “التوتر” “stress“.

كل من ألتقي به يقول لي: “إنّي مُتوتر“.

نعم، في الحقيقة، أغلب الناس أصبحوا مُتوترين بسبب الضغوط اليوميّة وأسلوب عيشنا الحالي.

بسبب التوتر، صرنا جميعا مرضى نفسيين.

في الواقع، التوتر شديد الْخَطَر أكثر ممّا نظن، مع ذلك، أغلبنا لا يتعامل معه بجديّة، لأنّهم لا يعرفون أنّ التوتر يرفع ضغط الدَّم وقد يزيد من احتمالية الإصابة بسكتة دماغية في المستقبل البعيد.

أمّا التوتر المزمن فقد يعوق وظيفة الجهاز المناعي الطبيعية في الجسم.

بسبب التوتر، يلجأ الناس إلى التدخين، وشُرب الكحول، وتناول الطعام غير الصحي، وعدم مُمارسة النشاط البدني.

للتخلّص من التوتر، فيُمكنك اتّباع بعض النصائح التي أثبتت فعاليتها في تهدئة النفس وتحقيق التوازن الداخلي:

  1. الصلاة: تُساعد الصلاة على تهدئة العقل والتخفيف من حدّة التوتر.
  2. تنظيم الوقت: حاول وضع جدول منظّم لمهامك اليوميّة وأولوياتك لتجنّب الشعور بالإرهاق.
  3. التمارين الرياضية: ممارسة الرياضة، حتّى لو كانت خفيفة مثل المشي، تُعزّز إفراز هرمونات السعادة وتُقلّل من مُستويات التوتر.
  4. التواصل مع الآخرين: أحيانًا يُمكن لتبادل الحديث مع شخص مُقرّب أن يُخفّف من التوتر.
  5. الابتعاد عن المواقف المُسبّبة للتوتر: حاول تجنّب الأشخاص أو المواقف التي تُثير التوتر لديك بقدر المستطاع.
  6. النوم الجيّد: قلّة النوم تزيد من التوتر وتجعل التعامل معه أكثر صعوبة. احرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم.
  7. الأذكار والدعاء: إذا كنت مسلمًا، فإنّ قراءة الأذكار والدعاء والتفكّر في قُدرة الله على تيسير الأمور يجلب الراحة والطمأنينة لقلبك.

كيف تتعامل مع الاستفزازات؟

كل يوم نتعرّض للاستفزازات، وقد نستفز نحن أيضًا بدورنا الآخرين سواءً بوعي أو بغير وعي منّا.

وللرد على هذه الاستفزازات (Provocations)، فقد نفقد السيطرة على أنفسنا، وقد نُهاجم الآخر.

في هذه الحالة، قد يعتقد أكثر الناس أنّ المواجهة أمر جيّد، لكن في الحقيقة الاستجابة للاستفزاز هي ضعف منّا وقد تُشعِر الشخص المُستفز بالانتصار، وتدفعه إلى المزيد من الاستفزاز.

في واقع الأمر، ليس الاستفزاز إلّا ردة فعل ناتجة عن شُعورنا بالتهديد أو الضعف.

عندما نشعر بأنّنا مُهددون، يزداد إفراز هرمونات التوتر في أجسامنا، ما يدفعنا إلى الرد بعنف أو بطريقة دفاعيّة.

إذا تعرضت للاستفزاز، فأول ما ينبغي لك فعله هو الابتعاد عن الأشخاص الذين استفزوك والخروج من المكان الذي يُوجدون فيه، لكي تُحلّل لماذا تمّ استفزازك.

في بعض الأحيان، لا يُحاول الآخر استفزازنا، ولكن ضُعفنا يقنعنا بأنّ الآخر يُحاول استفزازنا.

إنّ أقوى ردّ للاستفزاز هو الحفاظ على الهدوء وضبط النفس.

عندما نتمكّن من التحكّم بمشاعرنا، نُظهر للطرف الآخر أنّنا لا نستسلم لمُخططاته، وأنّنا أقوى منه.

دور القراءة في تطوير الذكاء العاطفي

هل كنتم تعرفون أنّ القراءة تُساعد على تنمية الذكاء العاطفي؟ 

أنا أيضًا ساعدتني القراءة على تنميّة ذكائي العاطفي وذكائي العام على حد سواء.

بفضل القراءة اكتشفت عدّة تجارِب مُختلفة، واكتشفت كيف أتعامل مع أيّ شخصيّة في المجتمع الذي أعيش فيه، وساعدتني على تعميق معرفتي بذاتي لأنّ معرفة الذات من مُكونات الذكاء العاطفي، إذا لم نقل من أهمها.

انطلاقًا من قراءة الروايات، صرت أكثر تعاطفًا مع الناس لأنّ كل رواية تحمل بين صفحاتها شخصيّة مّا تُعاني بصمت، لكننا لا نُدرك ذلك.

فضلًا على ذلك، ساعدتني القراءة على تنميّة مهاراتي الاجتماعية، بما في ذلك: مهارة التواصل الفعّال ومهارات تكوين علاقات صحيّة، وساعدتني أيضًا على تنميّة تفكيري النقدي، ما مكنني من تجنّب أيّ تلاعب قد يُمارسه الإعلام أو التأثير الذي قد يُمارسه أيّ شخص عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مشاعري أو آرائي.

الخاتمة

في الختام، أيتّها العقول الفضوليّة، ينبغي لكم أن تعلموا علم اليقين أنّ الذكاء العام لا يكفي للنجاح في عصر الذكاء الاصطناعي، بل لا بد من امتلاك ذكاء عاطفي عالٍ.

بودكاست الذكاء العاطفي

مراجع:

  1. Peter Salovey and John D. Mayer coined the term ‘Emotional Intelligence’ in 1990, describing it as “a form of social intelligence that involves the ability to monitor one’s own and others’ feelings and emotions, to discriminate among them, and to use this information to guide one’s thinking and action.” ↩︎
  2. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5472615 ↩︎

اكتشاف المزيد من El Gouzi (الݣوزي)

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقًا

زر الذهاب إلى الأعلى