المهارات الوظيفية

الذكاء الاجتماعي: اكتشف تعريفه، مهاراته، فوائده، سلبياته وعلاماته الخفية!

هل سبق لك أن رأيت أشخاصًا ناجحين اجتماعيًّا؛ يتواصلون مع الناس بطريقة جذّابة وواضحة، والناس تُحبّهم وتحترمهم دون جُهد يُذكر منهم؟ وإذا تحدّث الناس عنهم في غيابهم، قالوا عنهم كلامًا حسنًا.

ربما تساءلت يومًا: ما الذي يُميّز هؤلاء الأشخاص عن غيرهم؟

الجواب بسيط: هؤلاء الأشخاص يمتلكون ما يُسمى ب: الذكاء الاجتماعي.

لذا، في هذه المقالة، سنُقدّم لك جميع الأدوات والمهارات اللازمة لاكتساب الذكاء الاجتماعي، لتُصبح مؤثرًا.

ملاحظة: مُعظم العناصر التي سنستعرضها ستُساعدك أيضًا في اكتساب الكاريزما.

تاريخ الذكاء الاجتماعي

الذكاء الاجتماعي ليس وليد اليوم، بل هو قديم قدم البشرية، لكن الجديد هو تسميته بـ الذكاء الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، يحمل الشعر القديم كثيرًا من الحكم والمواعظ التي تُظهر الذكاء الاجتماعي وفن التعامل مع الناس. 

كان الشعراء يتناولون في أبياتهم مواقف اجتماعيّة مُختلفة ويُقدّمون نصائح للتعامل بحكمة مع المواقف والأشخاص.

في ما يلي بعض الأمثلة على ذلك:

يقول الإمام الشافعي:

إِذا نَطَقَ السَفيهُ فَلا تَجِبهُ

فَخَيرٌ مِن إِجابَتِهِ السُكوتُ

فَإِن كَلَّمتَهُ فَرَّجتَ عَنهُ

وَإِن خَلَّيتَهُ كَمَداً يَموتُ

يقول الشاعر العربي أبو تمام في الحكمة والتعامل:

إِذا جارَيتَ في خُلُقٍ دَنيئاً

فَأَنتَ وَمَن تُجاريهِ سَواءُ

رَأَيتُ الحُرَّ يَجتَنِبُ المَخازي

وَيَحميهِ عَنِ الغَدرِ الوَفاءُ

لكن، علميًا، ظهر مصطلح “الذكاء الاجتماعي” أول مرة في عام 1920 على يد عالم النفس الأمريكي إدوارد ثورندايك.

لم ينل هذا المفهوم اهتمامًا كبيرًا في ذلك الوقت. وفي عام 1983، أعاد علماء النفس دانييل جولمان وروبرت ستيرنبيرغ إحياء مفهوم الذكاء الاجتماعي عن طريق بحوثهم التي أظهرت أنّ الذكاء الاجتماعي له دور مهم في النجاح في الحياة، ويختلف عن مفهوم الذكاء العام (IQ) الذي يُركّز على قُدرات مثل التفكير المنطقي وحل المشكلات.

تعريف الذكاء الاجتماعي

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما تعريف الذكاء الاجتماعي؟

بكلمات بسيطة، الذكاء الاجتماعي هو القُدرة على التعامل مع الناس بطريقة لائقة دون جرح مشاعرهم أو التدخّل في حياتهم الشخصيّة.

 يعني ذلك أيضًا معرفة متى تتحدّث، وكيف تختار الكلمات عندما تتحدّث، ومتى تبتسم وتضحك، ومتى تُقدّم النصائح للآخرين، ومتى تكون حاضرًا ومُتاحًا للآخرين، ومتى يكون مناسبًا التغيب أو الانسحاب.

عند اكتساب الذكاء الاجتماعي، سوف تُصبح قادرًا على فهم مشاعر الآخرين وقراءة تعبيرات وُجوههم، ولغة أجسادهم، ونبرة صوتهم، والتنبؤ بأفعالهم وردود أفعالهم. وستُعبّر عن أفكارك ومشاعرك بوضوح ودقة، مع مُراعاة مشاعر الآخرين واحتياجاتهم. وستكون قادرًا على التأثير في الآخرين وإقناعهم بوجهة نظرك دون اللجوء إلى الضغط أو التلاعب.

كل هذه الأمور التي ذكرتها، والتي تُميّز الشخص الذي يمتلك ذكاءً اجتماعيًّا ملحوظًا، بمقدورها مُساعدته على الحفاظ على صحته النفسيّة والتعامل مع تقلّبات الحياة على نحو أفضل.

أنتَ أيضًا تستطيع أن تُصبح ذكيًا اجتماعيًّا بتطوير بعض المهارات، والتي سوف نشرحها لك في هذه المقالة خطوة بخطوة مع تزويدك بأمثلة.

لكن ينبغي لك قبل كل شيء أن تعرف أن التعلّم أو اكتساب أيّ مهارة يبدأ بمعرفة ذاتك واحتياجاتك.

سوف تُساعدك معرفة ذاتك على كشف عاداتك السيّئة والأخطاء التي تقوم بها عندما تتفاعل مع الناس، لأنّ أغلب المُشكلات تبدأ مع عدم القُدرة على التعامل مع الناس كما ينبغي. أن تعرف نفسك ليس أمرا سهلًا خُصوصًا أنّ أغلب الناس يكذبُون على أنفسهم وعلى الآخرين، ويقولون للناس أنّهم فعلوا أشياء وهم لم يفعلوها، أو أنّهم يمتلكون مهارات معيّنة، لكن في حقيقة الأمر لا يعرفون شيئًا ممّا يذكرون، يفعلون ذلك فقط لجذب الانتباه وحب الآخرين، لكنهم لا يعلمون أنّ حبل الكذب قصير.

إذا أردت أن تطور أيّ مهارة أو تعرف نفسك، فينبغي لك أن تكون صادقًا مع نفسك وتُحدّد نِقَاط ضعفك ونقاط قوتك. أعلم أنّه من الصعب علينا أحيانًا تحديد نِقَاط ضعفنا لأنّ أغلبنا يرى نفسه أسدًا وهو في الحقيقة خروف داخل القطيع.

لهذا السبب، إذا كان من الصعب عليك تحديد نِقَاط ضعفك، فمن اللازم طلب المُساعدة من شخص تثق به لكي يخبرك بالأمور التي ينبغي لك العمل عليها كي تُصبح أفضل نسخة من نفسك.

لكن لا تقلق، إذا كُنت صادقًا مع نفسك، فلن تحتاج لشخص آخر، ما عدا ما سنقوله لك في هذه المقالة.

أول صعوبة قد تُواجهك في تطوير ذكائك الاجتماعي هي الاختلافات بين الناس: على سبيل المثال، العمر والاختلافات الثقافية والطبقة الاجتماعيّة والتربية والخبرات الحياتية والوعي.

بسبب اختلافاتنا في الثقافة والمُعتقدات، نرى الكثير من الصراعات في العالم، ولكي تتجاوز ذلك ينبغي لك التسامح مع الآخرين وتقبّلهم كما هم ما داموا لا يُؤثّرون فيك بطريقة سلبيّة.

لا تخف إذا كنت تسمع بعض المصطلحات أول مرة، لأنّه سوف نشرحها لك بطريقة مبسطة.

اعتراف: مع أنّني وُلدت في عائلة تُشجّع على التواصل والتعبير عن الذات وإبداء الرأي، وهذا الأمر ساعدني على تنميّة ذكائي الاجتماعي مُنذ الصغر، إلا أنّه مع التقدّم في العمر يُصبح لزامًا علينا البحث عن استراتيجيات فعّالة لتنميّة مهاراتنا الاجتماعية، والاستفادة من خبرات الآخرين، مع الحرص على التمسّك بمُعتقداتنا وقيّمنا الشخصيّة.

في الحقيقة، الذكاء الاجتماعي مُعدي. إذا كنت تُرافق أشخاصًا أذكياء اجتماعيًّا، فقد ستُصير مثلهم. أمّا إذا كنت تُرافق الوقحين، الذين لا يحترمون الناس، فسوف تُصبح مثلهم. لا قيمة لك في المجتمع وبين الناس.

قد يكون من الصعب إتقان الذكاء الاجتماعي، لكن بفضل هذه المقالة وخبراتي السابقة، لن يُصبح الأمر صعبًا لأنّني سأُزوّدك بكافة المهارات والنصائح اللازمة لتتخطّى هذا العائق.

كل ما عليك هو متابعة المقالة حتّى النهاية.

مهارات الذكاء الاجتماعي

في هذا الجزء من المقال، سوف نتحدّث عن العناصر الضرورية أو المهارات التي ينبغي لك اكتسابها لتعزيز ذكائك الاجتماعي.

أول عنصر سنبدأ به هو معرفة الذات أو الوعي بها.

معرفة الذات

إذا طُرِحَ سؤال: مَنْ أنتَ؟ على أيّ شخص في العالم، فقد يضحك الشخص منك ويُجيب: أنا هو أنا، أنا فلان ابن فلان. لكن، في الواقع، هذه ليست الإجابة الحقيقية على هذا النوع من الأسئلة.

إذا أردتَ حقًا الإجابة بصراحة عنه، فينبغي لك تحديد أحلامك وطُموحاتك وأفكارك ودينك ومُعتقداتك وما ترغب في فعله مستقبلًا، وأين تقضي وقتك ومع من تقضيه.

تكمن صعوبة الإجابة على هذا السؤال في أنّنا في الغالب لا نكون صادقين تمامًا مع أنفسنا. وقد نُخفي مشاعرنا الحقيقية، ونُحاول تقليد الآخرين، أو نُقدّم صورة مُزيّفة عن أنفسنا خوفًا من الحُكم أو الرفض أو من أجل إرضاء الناس في حين أنّ ارضاء الناس غاية لا تدرك.

لذلك، إذا أردتَ أن تُصبح ذكيًا اجتماعيًّا، فينبغي لك تحديد نِقَاط قُوتك والأمور التي تتطلّب تحسينًا في شخصيتك، والعمل على تحسينها.

على سبيل المثال، إذا كانت من عاداتك السيئة عدم الاستماع إلى المُتحدّث بانتباه أو مُقاطعة المتحدّث دون سبب مُقنع، فمن الضروري عليك التخلّص من هذه العادات السيّئة بأسرع ما يُمكن، لأنّها قد تجعلك مكروهًا من قبل الناس، ولن ترغب الناس في خلق علاقات بك.

عوضًا عن ذلك، حاول الإنصات للآخرين وعدم مُقاطعتهم حتّى يُكملوا كلامهم.

إذا فعلت هذه الأمور التي قد تبدو بسيطة لدى عامة الناس، فستُصبح شخصًا ذكيّا اجتماعيّا، وسترغب الناس في البقاء معك والتحدّث معك.

في حقيقة الأمر، الناس بطبيعتهم يُحبّون الأشخاص الذين يستمعون إليهم، لأنَّ هذا دليل على الاهتمام الصادق بالآخرين وبما يمرون به من مصائب أو أحزان.

إذا أردت أن تعرف الآخرين، فلا بد لك أن تعرف نفسك. وإذا أردت أن تعرف نفسك، فلا بد لك أن تكون صادقًا مع نفسك بشأن نِقَاط قُوتك وضُعفك.

لا تحكم على الناس من خلال ماضيهم 

أكثر الأغبياء في هذا العالم يحكمون على الناس من خلال ماضيهم أو عاداتهم القديمة، ويظنون أنّ الناس مثلهم تُحافظ على عاداتها السيّئة القديمة وطريقة تفكيرهم أو مُستواهم الثقافي والاجتماعي، وأنّهم لن يتطوّروا أبدًا.

لعلك عشت التجربة ذاتها مع شخص مّا كنت تعرفه أو درس معك، لكنّه لا يزال يعتقد إلى الآن أنّك لا تزال كما كنت ولم تتغيّر، ما سبّب سُوء تفاهم بينكما.

هؤلاء الأشخاص الذين يحكمون عليك من ماضيك هم في الحقيقة رمز الغباء الاجتماعي.

لهذا السبب، إذا أردت أن تكون ذكيّا اجتماعيّا، فينبغي لك أن تعلم علم اليقين أنّ الناس يتطوّرون باستمرار. وصديقك الذي كان معروفًا بحبه لكرة القدم قد يكرهها بعد شهر، أو العكس، من كان يكرهها قد تُصبح عشقه الوحيد. وصديقك الذي كان غبيًا ولا يقرأ الكتب قد يُصبح بعد سنة مهووسًا بالكتب ومثقّفًا. وصديقك الذي لم يكن يُتقن مهارة التواصل قد يُصبح بعد حين من أحسن المُتحدّثين في مُحيطك أو بلدك.

في السياق ذاته، تعلّم ألّا تحكم على الناس من ماضيهم، لأنّ الناس تتغيّر وتُطوّر مهاراتها وتتخلّص من عاداتها السيئة، وهُناك من يكتسبون عادات سيّئة. لذلك، تعلّم أن تتعامل مع الناس باحترامٍ وتقدير، بغض النظر عن ماضيهم أو عاداتهم.

كن أنت، لا تُقلّد الآخرين

هل كنت تعرف أنّ الحب الحقيقي هو أن تُحبّك الناس كما أنت، مع كل ما فيك من عُيوب ومزايا؟

الحب الحقيقي هو أن تُحبّك الناس بسبب صفاتك، وطريقة تفكيرك، وأفكارك الخاصّة. أمّا إذا أحبوك بسبب شيء مادي تملكه، مثل الثروة أو المظهر الخارجي، فسيتلاشى حُبهم الزائف حينما تفقد ما تملك.

إذا رأيت أنّ الناس تُحبّك دون أن تُقدّم لهم شيئًا في المقابل، فهذا يعني أنّك ذكي اجتماعيًّا؛ أي تحترم أفكارهم، وتستمع إليهم بانتباه، ولا تُقاطعهم، وتُقدّم لهم نصائح مُفيدة قد تؤثر إيجابًا في حياتهم الخاصّة.

لهذا السبب، إذا أردت أن تكون ذكيًا اجتماعيًّا، فلا بد أن تحتفظ بأصالتك، خُصوصًا في تفاعلاتك مع الآخرين.

وإذا لم يُحبّك الناس كما أنت، بعيوبك ومزاياك، فربما يكون ذلك دليلًا على أنّهم لا يُقدّرون الأصالة والصدق في العلاقات. في هذه الحالة، كل ما عليك فعله هو أن تهجرهم هجرًا جميلًا.

في الواقع، الأشخاص الأذكياء اجتماعيًّا الذين التقيت بهم في حياتي كانوا يتميّزون بالصدق والأصالة، ولا يخافون لومة لائم. ويُقدّمون النصيحة بصراحة ويقولون الحقيقة حتّى إذا كانت صعبة وصادمة أحيانًا، بسبب صراحتهم وأصالتهم يراهم الناس أشخاصا ذوي ثقة.

يا لسوء الحظ، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الناس غير صادقين مع أنفسهم ومُتصنّعين في تقديم صُورة مثالية عن حياتهم. وبسبب هذا التصنّع، يجد البعض أنفسهم تحت هُجوم مُستمر من طرف مُتابعيهم.

نصيحتي لك: ابقى أصيلًا ومٌتصالحًا مع نفسك مادام ذلك لا يؤثر سلبًا فيك وفي الناس من حولك.

توقّف عن إرضاء الناس

إنّ أكبر عقبة قد تعُوق رحلتك نحو تحسين ذكائك الاجتماعي هو مُحاولتك إرضاء الناس، ضنًا منك أنّ هذا هو الصواب، لكن في الحقيقة، وكما هو معروف لدى العامة والخاصة، فإنّ رضا الناس غاية لا تُدرك، مهما فعلت من مجهود.

بعض الناس، عن جهالة، يعتقدون أنّ إرضاء الآخرين سيجعلهم محبُوبين، لكن في غالب الأحيان يحدث خلاف ما كانوا يتمنون.

في الحقيقة، جميعنا فعلنا المُستحيل على الأقل مرّة واحدة في حياتنا من أجل إرضاء شخص مّا أو الحفاظ عليه بالقُرب منا، لكن ما حدث هو خلاف ما كنا نعتقد أنّه سيحدث.

بعد هذا الحدث، نشعر بالإحباط وقد نكره ذلك الشخص إلى الأبد. يحدث هذا لأنّ الشخص لا يُقدّر نفسه. لو كان يُقدّر نفسه، لما حدث ما حدث.

لهذا السبب، إذا أردت أن تُصبح ذكيّا اجتماعيّا، فينبغي لك أن تنس شيئًا اسمه إرضاء الآخرين. فبدلًا من ذلك، حاول التركيز على نفسك وتحسين مهاراتك. وعندما تتفاعل مع الناس، فكُن صادقًا معهم وبادلهم الاحترام. وإذا حاولوا تقزيم قيمتك، فلا تبقى مكتوف الأيدي، بل واجههم وقل لهم: “لا تُكرّروا هذا الفعل مرّة أُخرى.

عندما كُنت أدرس في الجامعة، التقيت بكثير من الطلبة يُحاولون إرضاء رفاقهم بأيّ ثمن، لكن يا لسوء الحظ، الناس بطبيعتهم لا يُحبّون الضعفاء، بل يُحبّون من يحترمون أنفسهم. كيف سيُحبّك الناس إذا لم تُحب نفسك؟ وكيف سيحترمونك إذا لم تحترم نفسك؟

التواصل الفعّال 

بعد أن تطرّقنا إلى عدّة عناصر لتنميّة الذكاء الاجتماعي، فسيكُون من الظلم عدم ذكر التواصل الفعّال.

كيف لنا أن نُصبح أذكياء اجتماعيّا دون إتقان مهارة التواصل الفعّال أو على الأقل معرفة أبجدياتها؟

ببساطة، التواصل الفعال هو التواصل الذي ينجح فيه المتحدّث في نقل رسالته أو ما يُريد قوله للمُستمع أو المُتلقي بطريقة واضحة وسهلة لا لُبس فيها.

أكثر الأذكياء اجتماعيًّا، إذا لم أقل أكثرهم، يُتقنُون فن التواصل.

لذلك، ترغب الناس دائمًا في الاستماع إليهم لأنّهم ببساطة يمتلكون القُدرة على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بوضوح وبطريقة تجذب الآخرين.

عندما أسمع عبارة “التواصل الفعال” أول ما يخطر ببالي هو أحد أفراد عائلتي. إنّه خبير في التواصل، لا تمل الناس منه عندما يتحدّث، ودائمًا يذكرونه بالخير، ويتمنّون أن يُصبحوا مثله، ليس لشيء ما عدا لأنّه رمز الذكاء الاجتماعي ومُتحدّث جيّد.

لهذا السبب، إذا أردت أن تكون شخصًا ناجحًا اجتماعيًّا، فلا بد لك من إتقان التواصل الفعال.

قد يقول أحدكم: “نعم، نعلم أنّ التواصل الفعال جُزء أساسي من الذكاء الاجتماعي، لكن كيف نُصبح متواصلين جيّدين؟

إذا أردت أن تتواصل بفعاليّة مع الآخرين، فينبغي لك:

  • إظهار الاهتمام الحقيقي بما يقُوله الآخرون وفهم مشاعرهم واحتياجاتهم.
  • التعبير بوضوح.
  • وضع نفسك مكان الآخرين وفهم وجهات نظرهم ومشاعرهم.
  • استخدام لغة جسد تتماشى مع ما تقوله.

الإصغاء إلى الغير

البشر بطبيعتهم يُحبون من يُنصت إليهم ويُشارك مُعاناتهم، مع أنّهم لا يبحثون في الحقيقة عن حل لمشكلاتهم. فقد يبحثون فقط عن شخص يستمع إليهم، ما سيجعلهم يقتنعون أنّهم أشخاص مُهمون في نظر الطرف الآخر.

كلنا التقينا بأشخاص مُستمعين جيّدين يتمتّعون بالانتباه والتركيز والصدق، ما يجعلنا لا ننساهم ونتذكّرهم في غالب الأحيان.

عندما نتحدّث عن الذكاء الاجتماعي، بطبيعة الحال، سوف نُشير إلى الإنصات إلى الغير.

أنت أيضًا تستطيع أن تُصبح ذكيًا اجتماعيًّا إذا سمحت للآخرين بالتعبير عن مشاعرهم والاستماع إليهم دون مُقاطعتهم. أكثر الناس قد يستهينون بمهارة الإنصات ويعتقدون أنّها لا علاقة لها بالذكاء الاجتماعي، لكن الواقع يُظهر خلاف ذلك.

في رأيي، فالإنصات مهارة مُهمّة لإتقان الذكاء الاجتماعي. كيف لك أن تُحترم من قبل الناس وأنت لا تنصت إليهم وتُقاطعهم من غير سبب مُقنع، فقط لأنّ كلامهم غير مُهم بالنسبة إليك أو أشعرك كلامهم بالملل؟ نعم، أتفهّم شُعورك، لكن ينبغي لك أن تتحلّى بالصبر في تفاعلاتك الاجتماعيّة، خُصوصًا وأنّ في المُجتمع الواحد هناك اختلافات في الرأي والدين والمُعتقدات والمُستوى الثقافي والمكانة الاجتماعيّة. إذا لم تصبر وتتسامح مع الآخرين الذين قد يختلفون معك، فلا تحلم بأن تكون ذكيًّا اجتماعيًّا.

هُناك طريقة فعّالة لتنميّة ذكائك الاجتماعي، ألا وهي مُحاكاة أو تقليد الناس الذين تراهم أذكياء اجتماعيًّا ومحبُوبين من طرف الآخرين.

أنا أيضًا كُنت أستعمل هذه الطريقة، التي تُسمّى بالهندسة العكسية. لمّا كُنت شابًا، كُنت أُقلّد السلوكيات التي أراها جيّدة في الآخرين وأتبنّى عاداتهم الجيّدة. تعلّمت الحكمة من جدتي، وتعلّمت فرض الاحترام من أحد أعمامي، وتعلّمت أن لا أكون غبيًّا من بعض أصدقائي. وتعلّمت الصدق من قراءتي لسيرة الرسول واتّباعه، وتعلّمت أن لا أُرضي الآخرين من أمي، وتعلّمت أنّ الحُب لا يأتي من التصرّف بلطف من أبي.

إحدى أهم الفوائد التي حصلت عليها من الاستماع النشط في حياتي هي حب الناس غير المشروط.

لهذا السبب، إذا أردت أن تكتسب الذكاء الاجتماعي من اليوم، كل ما ينبغي لك هو الإصغاء إلى الغير وعدم مُقاطعتهم عندما يتحدّثون. هذا هو السر الوحيد الذي يجهله أكثر الناس.

التعاطف

بالإضافة إلى الإصغاء إلى الغير، فلا بد لنا أن نتعاطف معهم.

لكن ماذا نقصد بالتعاطف؟ التعاطف، في واقع الأمر، هو أن نضع أنفسنا مكان الآخر، أن نُحاول فهم مشاعرهم وتجاربهم من وجهة نظرهم. هذا يعني أن نشعر بما يشعرون ونتفاعل مع مُعاناتهم وأفراحهم.

هل تخيّلتم يومًا أشخاصًا لديهم الآراء ذاتها؟ هل كُنا سنرى الحروب والمُعاناة؟ بطبيعة الحال، لا. هنا يأتي دور التعاطف لكبح بعض الحقد تجاه الآخرين الذين يُخالفوننا الرأي والمُعتقد.

وبما أنّه سيكون من المُستحيل تبنّي الآراء ذاتها، فستكون دائمًا خلافات بين المُجتمعات والدول، ومع الزوجة، والأصدقاء، والعائلة. لكن لو تعاطفنا معهم ولم نُظهر لهم أنّنا نختلف معهم في الرأي، لكان العالم مُختلفًا عمّا هو عليه اليوم.

لهذا السبب، حاول احترام آراء الآخرين ووجهات نظرهم حتّى لو لم تتّفق معها. هذا هو الذكاء الاجتماعي.

لكن يا لسوء الحظ، يقُول أكثر الناس أنّ هذا نفاق وليس ذكاءً اجتماعيًّا. أعلم، لكن تجنّب المُشكلات أهم من أيّ نعت قد يُنعت به الشخص.

في الواقع، هُناك اختلاف كبير بين النفاق والذكاء الاجتماعي. يكمن هذا الاختلاف في نيّة الشخص؛ إذا كُنت تُريد أن تُرضي الآخر وتحصل على شيء في المقابل، فأنت منافق. أمّا إذا كُنت تُريد أن تعيش بسلام في مُجتمع مُتعدّد الثقافات والآراء، فأنت ذكي اجتماعيًّا أكثر ممّا تعتقد.

لكن بيت القصيد هو أن تتعاطف مع الآخرين وأن ترُاعي الاختلافات الثقافية بينك وبين الغير، ما دام لا يُؤثّر فيك ذلك سلبًا.

احترام الاختلافات الثقافية

كل دولة لها ثقافة مُختلفة، وما تراه صحيحًا قد يراه الآخرون خاطئًا.

على سبيل المثال، إذا سافرت إلى دولة أُخرى، فقد تجد فيها أُمورًا تُخالف مُعتقداتك أو حتّى دينك.

ماذا ستفعل آنذاك؟ بطبيعة الحال، لن تفعل شيئًا. كل ما تستطيع فعله هو انتقاد البلد الآخر عندما تعُود لبلدك، وقد تُحاول إقناع نفسك وأُولئك الذين لديهم مُعتقداتك بأنّكم أفضل منهم.

في الواقع، أن تكون ذكيًّا اجتماعيًّا هو أن تحترم الاختلافات الثقافية، وإذا رأيت نفسك ستتأثّر سلبًا بها، فحاول الخروج من ذلك البلد بأسرع وقت مُمكن.

أنا أيضًا أرى كثيرًا من الاختلافات بيني وبين الأشخاص المُحيطين بي، لكن لا أُحاول تغييرهم، لأنّ التغيير هو قرارهم وليس قراري. كلّما حاولت تغيير الآخرين، سيُقاومون التغيير وقد يبدؤُون بكُرهك، وأنا في غنى عن هذا.

ما أفعله في هذه الحالة هو التعبير عن آرائي بوُضوح، وأترك الطرف الآخر يُقرّر ما إذا كان سيتّفق معي. وإذا لم يتّفق، فلا أُبالي لأنّني مسؤُول عن أفعالي ولست مسؤُولًا عن أفعال الآخرين.

هذا هو الذكاء الاجتماعي: أن تحترم الاختلافات الثقافية، وإذا كُنت ضدها، فلك الحق في الاحتجاج بسلام والتعبير عن وجهة نظرك بأدب واحترام.

الإيجابية

من منّا لا يُحبّ أن يجلس ويتبادل أطراف الحديث مع أشخاص إيجابيين ومُتفائلين؟ أجزم أنّ الجميع يُحبّ ذلك.

لذلك، تُعدّ الإيجابيّة أو التفكير الإيجابي من أهم مهارات الذكاء الاجتماعي.

في حقيقة الأمر، تعني الإيجابية رُؤية الخير في الشر، والتركيز على الحُلول بدلًا من التركيز على المُشكلات، والتركيز على الفُرص بدلًا من التركيز على العقبات.

حتّى أنا في حِقْبَة من حياتي كُنت أرى العالم أسودًا بسبب الأحداث السلبيّة التي كُنت أراها والصدمات النفسيّة التي عشتها. لكن بعد معاناة طويلة، قررت أن أُصبح مُتفائلًا وأن أرى مُشكلاتي فُرصًا للتعلّم. ما حدث لم أكن أنتظره، لقد تغيّرت حياتي كليُّا وأصبحت شخصًا آخر، شخصًا يتمنّى الجميع أن يُصبح مثله.

أنتَ أيضًا تستطيع أن تُغيّر رأيك السلبي عن الحياة وتُصبح شخصًا مُتفائلًا، لأنّها الطريقة الوحيدة لتعيش حياة أفضل من المُتشائمين. 

علامات الذكاء الاجتماعي

تتجلى علامات الذكاء الاجتماعي في مجموعة من السلوكيات التي يتمتّع بها الشخص الذكي، ومنها: القُدرة على التعبير عن نفسه بوضوح وفعالية، والاستماع بانتباه للآخرين، وبناء علاقات قويّة بهم والحفاظ عليها عن طريق الاحترام المتبادل، والقُدرة على إلهام الآخرين وتحفيزهم، وتقديم الدعم والتشجيع لهم، بالإضافة إلى فهم دوافع الناس واحتياجاتهم.

سلبيات الذكاء الاجتماعي

مع أنّ الذكاء الاجتماعي له فوائد عدّة، فإنّه قد يحمل أيضًا سلبيات. على سبيل المثال، قد يستخدم الشخص الذكاء الاجتماعي لأغراض سيئة، مثل استغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصيّة، أو التحكّم في سلوكهم وتوجيهه. كما قد يُصبح الأشخاص الأذكياء اجتماعيًا مُشككين في نوايا الآخرين، بسبب قُدرتهم على رؤية الجانب المظلم في شخصيّات الآخرين، وقد يشعرون بالازدراء تجاه من يفتقرون إلى هذا النوع من الذكاء.

خاتمة

هل حقًا تريد أن تكون ذكيًّا اجتماعيًّا؟ إذا كان جوابك نعم، فأنت الآن لديك كافة الأدوات لتصير ذكيًّا اجتماعيًّا من الْآنَ. الْطرق التي قدّمتها لك سهلة ولا تتطلّب إمكانات ماديّة، كلّ ما تتطلبّه هو قرار منك الآن، أيّها الإنسان الذي يبحث دائمًا عن التطوّر.

إلى اللقاء، ونلتقي في مقالٍ آخر.

بودكاست عن الذكاء الاجتماعي

بودكاست عن الذكاء الاجتماعي

اكتشاف المزيد من El Gouzi Talks Ar

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقًا

زر الذهاب إلى الأعلى