تطوير الذات

متى تهتز الثقة بالنفس

تُعدّ الثقة بالنفس من أهم الجوانب النفسيّة التي تُؤثّر تأثيرًا كبيرًا في حياة الفرد وتجاربه الشخصيّة والمهنيّة. إنّها القوة الداخلية التي تُمكّنُنا من مُواجهة التحدّيات، وتحقيق الأهداف، والتعامل مع الصُعوبات بإيجابيّة.

مع ذلك، فالثقة بالنفس ليست شيئًا ثابتًا بل تتأثّر بعدّة عوامل وظروف. على سبيل المثال لا الحصر، عندما يُواجه الفرد تحدّيات مُتكرّرة أو يتعرّض لتجارب سلبيّة، فقد تتزعزع ثقته بنفسه رُغما عنه.

لذا، في هذا المقال، سوف نكشف لكم: متى تهتز الثقة بالنفس، وكيفيّة التعامل مع هذه الهزّات وتعزيز الثقة بالنفس من جديد.

أسباب اهتزاز الثقة بالنفس

تتنوّع الأسباب التي قد تُؤدّي إلى اهتزاز الثقة بالنفس، وتختلف من شخص إلى آخر. من بين الأسباب الشائعة نجد:

التجارِب السلبيّة

قد تُؤثّر التجارِب السلبيّة، مثل الفشل في تحقيق هدف مّا، أو التعرّض للانتقاد أو التنمّر، تأثيرًا كبيرًا في ثقتنا بأنفسنا. هذه التجارِب قد تزرع الشك في قُدراتنا وتجعلنا نتردّد في خوض تجارِب جديدة.

على سبيل المثال، قد يتعرّض الطالب الذي يحصل على درجات مُنخفضة في مادة مُعيّنة إلى اهتزاز الثقة بقُدراته الأكاديمية، ما يُؤثّر في أدائه في المواد الأخرى.

كذلك، قد يتعرّض المُوظّف الذي يفشل في مشروع مّا إلى اهتزاز الثقة بقُدراته المهنيّة، ما يُؤثّر في أدائه في المهام الأخرى.

مُقارنة النفس بالآخرين

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل جدًا مُقارنة أنفسنا بالآخرين، ورُؤية صور مثالية لحياة تبدو أفضل من حياتنا.

هذه المُقارنات غير العادلة قد تُؤدّي إلى الشعور بالنُقص وعدم الكفاءة، ما يهز ثقتنا بأنفسنا. فبدلًا من التركيز على رحلتنا الخاصة وإنجازاتنا الفريدة، قد ننشغل بمُقارنة أنفسنا بأشخاص آخرين، ونشعر بالإحباط عندما نعتقد أنّنا لا نرقى إلى مُستوى توقعاتنا أو توقّعات المُجتمع.

قد نُقارن أنفسنا بأصدقائنا، أو زُملائنا في العمل، أو المشاهير، ونشعر بالنُقص عندما نرى أنّهم يُحقّقون نجاحات أكبر منّا.

الكماليّة

قد يكون السعي الدائم نحو الكمال سلاحًا ذا حدين. فعندما نضع معايير عاليّة جدًا لأنفسنا، ونشعر بالإحباط عند عدم تحقيقها، قد يُؤدّي ذلك إلى تراجع الثقة بالنفس والشُعور بالفشل.

قد يعتقد الشخص الكمالي أنّه يجب أن يكون ناجحًا في كلّ شيء، وأيّ خطأ أو فشل يُعدّ دليلًا على عدم كفاءته.

هذا التفكير السلبي يُؤدّي إلى ضغط نفسي كبير ويؤثر سلبًا في الثقة بالنفس.

على سبيل المثال، قد يتجنّب الشخص المثالي القيام بمهام جديدة، أو خوض تجارِب جديدة، خوفًا من الفشل وعدم تحقيق الكمال.

الانتقاد الذاتي

يُعدّ التحدّث إلى أنفسنا بطريقة سلبيّة، والتركيز على نِقَاط ضعفنا وأخطائنا، من أهم أسباب اهتزاز الثقة بالنفس.

هذا النقد الداخلي المُستمر يُضعف من تقديرنا لذاتنا ويُؤثّر في نظرتنا لأنفسنا وقُدراتنا.

قد يلوم الشخص نفسه باستمرار على أخطاء الماضي، أو يُقلّل من شأن إنجازاته، ما يُؤدّي إلى الشعور بالدونيّة وعدم الثقة بالنفس.

قد يقول الشخص لنفسه: “أنا فاشل”، “أنا لا أستحق النجاح”، “أنا غبي”، ما يٌؤثّر سلبًا في ثقته بنفسه وقُدراته.

التجارِب الجديدة والتحدّيات

قد يُثير الخروج من منطقة الراحة ومُواجهة تحدّيات جديدة القلق والتردّد، ما يُؤدّي إلى اهتزاز الثقة بالنفس.

قد يجعلنا الخوف من الفشل أو عدم القُدرة على مُواجهة المجهول نتراجع عن خوض تجارِب جديدة.

على سبيل المثال، قد يتردّد الشخص في التقدّم لوظيفة جديدة، أو البَدْء بمشروع جديد، بسبب الخوف من الفشل أو عدم القُدرة على تحقيق النجاح.

كذلك، قد يتردّد الشخص في السفر إلى بلد جديد، أو تعلّم لغة جديدة، بسبب الخوف من المجهول وعدم القُدرة على التأقلم.

طرق المواجهة واستعادة الثقة بالنفس

لحسن الحظ، هناك العديد من الطُرق التي يُمكننا اتّباعها لاستعادة ثقتنا بأنفسنا وتعزيزها.

في ما يلي بعض النصائح المهمة لاستعادة الثقة بالنفس:

تحديد نُقَط القُوة والتركيز عليها

بدلًا من التركيز على نُقَط الضٌعف، من المهم أن نُحدّد نِقَاط قُوتنا ومهاراتنا ونُركّز عليها. لأنّ التركيز على الجوانب الإيجابيّة يُعزّز من تقديرنا لذاتنا ويمنحنا الثقة اللازمة لمُواجهة التحدّيات.

يُمكننا القيام بذلك بالتفكير في إنجازاتنا السابقة، والمهارات التي نمتلكها، والمجالات التي نتميّز فيها.

على سبيل المثال، يُمكننا التفكير في المرّات التي نجحنا فيها في تحقيق أهدافنا، أو المرّات التي تلقيّنا فيها إشادة من الآخرين، أو المهارات التي نستخدمها بنجاح في حياتنا اليومية.

تغيير لغُة الحوار الداخلي

يُساعد التحدّث إلى أنفسنا بلُطف، والتركيز على الجوانب الإيجابيّة على تحسين نظرتنا لأنفسنا وتعزيز الثقة بالنفس. بدلًا من الانتقاد الذاتي، علينا أن نكون مُشجعين وداعمين لأنفسنا.

يُمكننا استخدام عبارات إيجابيّة مثل “أنا قادر على تحقيق ذلك”، “أنا أستحق النجاح”، “أنا فخور بنفسي”. على سبيل المثال، بدلًا من قول “أنا فاشل” بعد ارتكاب خطأ، يُمكننا قول “الجميع يرتكبون أخطاء، وسوف أتعلّم من هذا الخطأ وأبذل قُصَارَى جُهدي في المرّة القادمة”.

تحديد أهداف واقعيّة والاحتفال بالنجاحات

يمنحنا وضع أهداف واقعيّة وقابلة للتحقيق شعورًا بالإنجاز ويُعزّز من ثقتنا بأنفسنا.

من المهم أيضًا أن نحتفل بنجاحاتنا، مهما كانت صغيرة، وأن نُكافئ أنفسنا على التقدّم الذي نُحرزه.

يُمكننا البَدْء بأهداف صغيرة، ثم زيادة صعوبتها تدريجيًا، والاحتفال بكلّ خُطوة نُحقّقها في طريق النجاح.

على سبيل المثال، إذا كان هدفنا هو خسارة الوزن، يُمكننا البَدْء بهدف صغير، مثل خسارة كيلوغرام واحد في الأسبوع، والاحتفال بكل كيلوغرام نخسره.

التعلّم من الأخطاء

الخطأ جُزء طبيعي من عمليّة التعلّم والنُمو. بدلًا من الشعور بالفشل، ينبغي لنا أن نتعلّم من أخطائنا ونستخدمها كفُرصة للتحسين والتطوير. لأنّ الأخطاء ليست نهاية العالم، بل هي دروس قيّمة تُساعدنا على النمو.

يُمكننا تحليل أخطائنا وتحديد الأسباب التي أدّت إليها، والعمل على تجنّبها في المُستقبل.

على سبيل المثال، إذا أخفقنا في امتحان مّا، يُمكننا تحليل أسباب الفشل، وتحديد نِقَاط الضُعف التي نحتاج إلى تحسينها، والعمل على دراستها على نحو أفضل في المرّة القادمة.

تجنّب المُقارنة

لكل منا رحلته الخاصة وتحدّياته الفريدة. لذا فمٌقارنة أنفسنا بالآخرين غير عادلة ولن تُؤدّي إلّا إلى الشُعور بالإحباط.

ينبغي لنا أن نُركّز على رحلتنا الخاصة ونسعى لتطوير أنفسنا وتحقيق أهدافنا. بدلًا من مُقارنة أنفسنا بالآخرين، يُمكننا التركيز على مُقارنة أنفسنا بما كنّا عليه في الماضي، ومُلاحظة التقدّم الذي أحرزناه. على سبيل المثال، بدلًا من مُقارنة أنفسنا بأصدقائنا الذين يُحقّقُون نجاحات أكبر منّا، يُمكننا مُقارنة أنفسنا بما كُنّا عليه قبل عام، ومُلاحظة التقدّم الذي أحرزناه في حياتنا المهنيّة أو الشخصيّة.

مُمارسة الامتنان

يُعزّز التركيز على الأشياء الإيجابيّة في حياتنا، ومُمارسة الامتنان لما نملك، من الشُعور بالسعادة والرضا، ما ينعكس إيجابًا في ثقتنا بأنفسنا.

يُمكننا القيام بذلك بكتابة قائمة بالأشياء التي نشعر بالامتنان لها، أو التعبير عن امتناننا للأشخاص الذين يدعموننا.

على سبيل المثال، يُمكننا أن نشعر بالامتنان لصحتنا، أو لعائلتنا، أو لأصدقائنا، أو لعملنا، أو لمنزلنا، أو لأيّ شيء آخر يجعلنا سعداء.

الاهتمام بالصحة الجسديّة والعقليّة

مُمارسة الرياضة، واتّباع نظام غذائي صحي، والحُصول على قسط كافٍ من النوم، كلّها عوامل تسهم في تحسين الصحة الجسديّة والعقليّة، ما ينعكس إيجابًا في ثقتنا بأنفسنا ومزاجنا العام.

تُعزّز الرياضة من إفراز هرمونات السعادة، وتُساعد على تحسين المِزَاج وتقليل التوتر.

في السياق ذاته، يمد النظام الغذائي الصحي الجسم بالعناصر الغذائية اللازمة للصحة والطاقة، ما يُساعد على تحسين التركيز والمِزَاج.

تطوير مهارات جديدة

يُعزّز تعلّم مهارات جديدة من شعورنا بالإنجاز والكفاءة، ما يزيد من ثقتنا بأنفسنا.

يُمكننا اختيار مهارة جديدة نرغب في تعلّمها، والانضمام إلى دورة تدريبيّة، أو البحث عن مصادر تعليميّة عبر الإنترنت. على سبيل المثال، يُمكننا تعلّم لُغة جديدة، أو تعلّم مهارة جديدة في مجال عملنا…

مُساعدة الآخرين

يُعزّز مُساعدة الآخرين والتطوّع في الأعمال الخيريّة من الشُعور بالهدف والقيمة الذاتيّة، ما ينعكس إيجابًا في ثقتنا بأنفسنا.

يُمكننا التطوّع في مُؤسسة خيريّة، أو مُساعدة شخص مُحتاج، أو تقديم الدعم لأحد الأصدقاء أو أفراد العائلة.

تمنحنا مُساعدة الآخرين شُعورًا بالرضا عن الذات، وتُساعدنا على إدراك قيمتنا في المُجتمع.

تحديد الأفكار السلبيّة

غالبًا ما تكون الأفكار السلبيّة هي السبب الجذري لاهتزاز الثقة بالنفس. من المُهم أن نتعرّف إلى هذه الأفكار ونتحدّها. هل هي واقعيّة؟ هل هُناك دليل يدعمها؟ هل هُناك طريقة أكثر إيجابيّة للنظر إليها؟

على سبيل المثال، إذا كانت لدينا فكرة سلبيّة مثل “أنا فاشل”، يُمكننا تحدّيها بالتفكير في إنجازاتنا السابقة، أو بالبحث عن دليل يدعم خلاف هذه الفكرة.

تطوير مهارات التأقلم

الحياة مليئة بالتحدّيات، وتطوير مهارات التأقلم الصحية أمر ضروري للحفاظ على الثقة بالنفس.

يُمكن أن يشتمل ذلك على تقنيات إدارة الإجهاد، مثل تمارين التنفس العميق. يُمكننا أيضًا تطوير مهارات حل المشكلات، والتفكير الإيجابي، والقُدرة على التكيّف مع التغيير.

البحث عن الدعم

لا بأس من طلب المُساعدة إذا كنت تُكافح من أجل استعادة ثقتك بنفسك.

يُمكن أن يُساعدك الأصدقاء والعائلة والمُعالج ومُرشد الدعم والتوجيه على تحديد الأسباب الجذريّة لانعدام الثقة بالنفس، وتطوير استراتيجيات للتغلّب عليها.

خلاصة القول

الثقة بالنفس رحلة مُستمرة وليست وجهة نهائيّة.

قد تتعرّض للاهتزاز والتراجع في بعض الأحيان، لكن باتّباع النصائح المذكورة أعلاه، يُمكننا استعادة ثقتنا بأنفسنا وتعزيزها، وبناء حياة أكثر سعادة ونجاحًا.
تذكّر، أنّك أقوى ممّا تتصوّر، ولديك القُدرة على تحقيق ما تطمح إليه. ثق بنفسك، وانطلق نحو تحقيق أحلامك، بالتوفيق!

مقالات أخرى تتحدّث عن الثقة بالنفس

El Gouzi Talks

El Gouzi (بالعربية : الڭوزي)، كاتب مغربي: * حاصل على درجة الماجستير في الديداكتيك واللغة والآداب الفرنسية. * أشارك اهتماماتي وتجاربي الشخصية مع القرّاء… * شغوف بالقراءة والتعلّم المستمر. * أسعى دائمًا لاكتساب المعرفة وتحسين مهاراتي الشخصية. * أعدّ الإنترنت وسيلةً للتواصل والتعبير عن اهتماماتي وآرائي.

اترك تعليقًا أو سؤالًا

زر الذهاب إلى الأعلى